نصوم شهر رمضان المبارك تلبية لأمر الله عز وجل.. وفي تلبيتنا لأمر الله بالصوم فوائد وبركات لا تكاد تُعَدُّ أو تحصى.. ونحن هنا بصدد النظر في الفوائد الطبية أو الصحية للصيام؛ حيث إن الأطباء قد بدءوا يحيطون الصيام باهتمام بالغ؛ لما فيه من فوائد عديدة لتنقية الجسم من شوائبه وعلاج الكثير من الأمراض.
ونذكر هنا ما توصَّل إليه العلم في فوائد وآثار الصيام: يقول العلماء: إننا كما نحتاج إلى فترة نوم لترتاح أجسامنا من عمل يوم شاق، وكما نعطي لأولادنا إجازة صيفية ليرتاحوا من المجهود الذهني طوال العام الدراسي، فإن الجهاز الهضمي للإنسان أيضًا في حاجة إلى راحة، فالصيام عن الطعام والشراب يريح المعدة والأمعاء والكبد والمرارة والبنكرياس.
فإراحة الكبد عن قيامه بالعمليات اللازمة لهضم الغذاء يدعه يتفرغ لعملية تنقية الجهاز الدموي من المواد الضارة به الناتجة عن عمل خلايا أجسامنا المستمر. كما أن إراحة الجهاز الهضمي يحوِّل الجهاز الدموي إلى أعضائنا الأخرى للتركيز على تغذيتها. ومن أثر ذلك –مثلاً- ما يشعر به الصائم من تحسن نقاوة جلده ونضارته.
في أول 12 - 24 ساعة من عدم تناول الغذاء يستطيع جسم الإنسان أن يعوِّض كميات الجلوكوز التي يفتقدها نتيجة صيامه عن الغذاء عن طريق تحرير الجلوكوز الكامن في الكبد، والذي يعتبر مخزنًا رئيسيًّا للجلوكوز في الجسم.. وهكذا لا تتغير نسب الجلوكوز في الدم إلا بشكل ضئيل. ويكون هذا الجلوكوز هو مصدر الطاقة للجسم، بالإضافة إلى حرق بعض الدهون الزائدة في الجسم؛ مما يؤدي إلى نقص معتدل في الوزن أثناء شهر رمضان في حالة اتباع السُّنَّة ساعة الإفطار، وعدم تناول الغذاء الزائد عن الحد.. يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "ما ملأ آدمي وعاء شرًّا من بطن. بحسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه فإن غلبت الآدمي نفسه فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس" رواه ابن ماجه. أيضًا إذا تبع الإفطار صلاة التراويح، حيث إن الجسم يحرق عشرة سعرات حرارية في كل ركعة صلاة.. كما أن للصيام أثرًا في تقليل نسب الكولسترول في الدم.
يؤثر الصيام إيجابيًّا على عملية إزالة المواد الضارة الموجودة بالجسم من خلال القولون والكليتين والمثانة والجلد والرئتين والجيوب الأنفية؛ وبالتالي نلاحظ أثناء شهر الصوم زيادة إفرازات الجسم (خاصة المخاط) والتي تعمل على إزالة هذه المواد الضارة الناتجة عن تراكمات عمليات الخلايا الحيوية.
كما أن للصيام تأثيرًا إيجابيًا على تقوية الجهاز المناعي من خلال زيادة أعداد خلايا الدم البيضاء المختلفة وتكوين الأجسام المضادة، بالإضافة إلى تحسن المؤشر الوظيفي للخلايا الليمفاوية بمعدل عشرة أضعاف.
كما أن بحثًا نُشر في مجلة فعاليات المعهد القومي للعلوم أثبت أنه في الفئران التي تعاني من أمراض المناعة الذاتية، فإن تخفيض نسبة تناولها للوجبات إلى 60% يؤدي إلى قدرتها على تخفيض نسب الخلايا الليمفاوية الضارة إلى معدلاتها الطبيعية.
أثبتت بعض الدراسات أيضًا أن للصيام تأثيرًا إيجابيًّا على تنقية الجسم من الخلايا الورمية من خلال إيقافه لعمليات الانقسامات التكاثرية للخلايا الورمية، وزيادة نسب موت تلك الخلايا، بالإضافة إلى زيادة نسب مادة الكورتيزون في الجسم أثناء عملية الصيام.
وبما أن الصيام تدريب عملي على تهذيب النفس وتقوية الإرادة، فإن في الصيام فرصة عظيمة لإيقاف تناول المواد المختلفة التي أصبحت أجسام بعض الناس لا تستغني عنها، وتنقية الجسم من شوائبها قدر المستطاع مثل الشاي والقهوة والسجائر والنارجيلة.
كما أن في الشهر الكريم فرصة لتنظيم سلوكياتنا الغذائية في حالة اتباعنا للسُّنة الكريمة.. فنبتعد عن عادة الأكل بين الوجبات، وعادة الأكل المستمر، ويصبح تناولنا للوجبات منتظمًا؛ مما يعين الجهاز الهضمي على أداء وظيفته على أكمل وجه.
من ضمن الفوائد الصحية لشهر رمضان أثر الصيام على ضغط الدم؛ حيث يتسبب الصيام في انخفاض ضغط الدم لدى الصائم بقدر يحتمله الإنسان الطبيعي، ويستفيد منه من يعاني من الضغط المرتفع؛ بسبب الجفاف المؤقت الذي ينتج عن عدم تناول السوائل، وانخفاض نسب الكولسترول في الدم وترسباتها على جدران الشرايين.
كما أن بعض الأطباء في الغرب يستغل الصيام كوسيلة لعلاج بعض الأمراض، مثل: أمراض القلب، والتهاب المفاصل، والربو، والقرح، وبعض أمراض الجهاز الهضمي (مثل التهاب المرارة ومرض القولون العصبي)، ومرض الذئبة، وبعض الأمراض الجلدية.
يبقى لنا بعض النصائح المتعلقة بنوعيات الأكل التي ينبغي علينا تناولها بعد فترة الصيام، فينصح باتباع السُنة الشريفة في الإفطار على تمر أو ماء، ثم القيام لصلاة المغرب لإعطاء الجهاز الهضمي فرصة للتجهيز لاستقبال وجبة الإفطار.
وينصح أن تكون وجبة الإفطار خفيفة مشتملة على الأنواع المختلفة من الأطعمة من بروتين وسكريات ونشويات ومنتجات الألبان، ولكن بكميات معتدلة بحيث نتناول من الإفطار دون حد الشبع المتخم. كما ينبغي علينا تناول كميات كبيرة من السوائل لتعويض ما افتقدناه أثناء فترة الصيام؛ لإعطاء الكليتين فرصة لأداء وظيفتهما.
كما ينصح بتجنب الأطعمة المقلية والتي تتسبب في سوء الهضم، والوجبات الدهنية، بالإضافة إلى تجنب السكريات بشكل زائد عن الحد.
أما وجبة السحور فمن الأفضل أن تكون خفيفة، بالإضافة إلى تجنب شرب الشاي والذي يتسبب في إدرار البول، وبالتالي فقدان السوائل المهمة للجسم، وما تحمله من أملاح معدنية تحتاجها أجسامنا أثناء فترة الصيام.
وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي قال: "صوموا تصحُّوا".. جعل الله هذا الشهر الكريم لنا ولكم شهر الإيمان والبركات والصحة الوفيرة.