--------------------------------------------------------------------------------
حكم من استهزأ بالرسول أو سبه أو تنقصه أو استحل شيئاً مما حرمه
حكم من استهزأ بالرسول العظيم عليه الصلاة والسلام أو سبه أو تنقصه أو استحل شيئاً مما حرمه
سماحة الشيخ الإمام-عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله . .
لقد اطلعت على ما نشرته صحيفة صوت الإسلام بالقاهرة نقلاً عن صحيفة المساء المصرية الصادرة في 29 يناير الماضي من الجرأة على الجناب الرفيع والمقام العظيم مقام سيدنا وإمامنا : محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا بتمثيله بحيوان من أدنى الحيوانات ، وهو الديك ، لا يشك مسلم أن هذا التمثيل كفر بواح ، وإلحاد سافر واستهزاء صريح بمقام سيد الأولين والآخرين ورسول رب العالمين وقائد الغر المحجلين ، إنها لجرأة تحزن كل مسلم ، وتدمي قلب كل مؤمن ، وتوجب اللعنة والعار والخلود في النار ، وغضب العزيز الجبار ، والخروج من دائرة الإسلام والإيمان إلى حيز الشرك والنفاق والكفران لمن قالها أو رضي بها ، ولقد نطق كتاب الله الكريم بكفر من استهزأ بالرسول العظيم ، أو بشيء من كتاب الله المبين ، وشرعه الحكيم ، قال الله عز وجل: أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون ( 65 ) لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم( 66 ) {التوبة: 65، 66}الآية، فهذه الآية الكريمة نص ظاهر وبرهان قاطع على كفر من استهزأ بالله العظيم أو رسوله الكريم أو كتابه المبين ، وقد أجمع علماء الإسلام في جميع الأعصار والأمصار على كفر من استهزأ بالله أو رسوله أو كتابه أو شيء من الدين ، وأجمعوا على أن من استهزأ بشيء من ذلك وهو مسلم أنه يكون بذلك كافراً مرتداً عن الإسلام يجب قتله . لقول الرسول {: "من بدل دينه فاقتلوه".
ومن الأدلة القاطعة على كفر من استهزأ بالله أو رسوله أو كتابه- أن الاستهزاء تنقص واحتقار للمستهزأ به والله سبحانه له صفة الكمال ، كتابه من كلامه ، وكلامه من صفات كماله عز وجل ، ورسوله محمد { هو أكمل الخلق وسيدهم وخاتم المرسلين وخليل رب العالمين ، فمن استهزأ بالله أو رسوله أو كتابه أو شيء من دينه فقد تنقصه واحتقره ، واحتقار شيء من ذلك وتنقصه كفر ظاهر ونفاق سافر وعداء لرب العالمين وكفر برسوله الأمين وقد نقل غير واحد من أهل العلم إجماع العلماء على كفر من سب الرسول الكريم { أو تنقصه ، وعلى وجوب قتله.
قال الإمام أبو بكر ابن المنذر رحمه الله : أجمع عوام أهل العلم على أن حد من سب النبي { القتل ، وممن قاله مالك والليث وأحمد وإسحاق ، وهو مذهب الشافعي انتهى.
وقوله : عوام : جمع عامة ، والعامة هنا بمعنى الجماعة ، فمراده رحمه الله أن جماعات العلماء أجمعوا على وجوب قتل من سب النبي { ولاشك أن السب يتنوع أنواعاً كثيرة ، ولا ريب أن الاستهزاء به عليه الصلاة والسلام وتنقصه وتمثيله بحيوان حقير من أقبح السب وأعظم التنقص ، فيكون فاعل ذلك كافراً حلال الدم والمال وقال القاضي عياض رحمه الله : أجمعت الأمة على قتل متنقصه من المسلمين وسابه . انتهى وقال محمد بن سحنون من أئمة المالكية : أجمع العلماء على أن شاتم النبي { والمتنقص له كافر ، والوعيد جاء عليه بعذاب الله له ، وحكمه عند الأمة القتل ، ومن شك في كفره وعذابه كفر . انتهى
قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله بعدما نقل أقوال العلماء في شاتم الرسول { ومتنقصه في كتابه: (الصارم المسلول على شاتم الرسول {) ما نصه : وتحرير القول فيه: ( أن الساب إن كان مسلماً أنه يكفر ويقتل بغير خلاف ، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم ، وقال حنبل : سمعت أبا عبد الله يقول : من شتم الرسول { أو انتقصه مسلماً كان أو كافراً فعليه القتل ، وأرى أن يقتل ولا يستتاب) انتهى.
وكلام العلماء في هذا الباب كثير ، وفيما نقلنا عنهم كفاية لطالب الحق. ولقد وفقت صحيفة صوت الإسلام القاهرية في ردها على جريدة المساء المصرية ما اقترفته من المحاربة للإسلام ومن الجرم الفظيع والمنكر الشنيع في حق المصطفى { وشريعته بقلم رئيس التحرير الشيخ محمد عطية خميس، ولقد أحسن فضيلته إحساناً عظيماً حيث أنكر ما فعلته هذه الصحيفة من الكفر الصريح والاستهزاء السافر بسيد عباد الله وأفضل رسول، واحتج على حكام مصر وطالبهم بوضع حد لهذه الفتنة . وإلى القراء بعض كلمته ، قال وفقه الله بعد كلام سبق في رد مقالات شنيعة كتبتها بعض الصحف المأجورة ما نصه: (فلا عجب بعد كل هذا أن يجترئ صحفي من صحفيي جريدة المساء ليعرض برسول الله { في صورة كاريكاتورية في عددها الصادر في 29 يناير الماضي فيرسم شخصاً له جسم الديك ويقول تحت هذه الصورة (أهو ده يا سيدي محمد أفندي اللي متجوز تسع) بمثل هذا الخبث تنشر مثل هذه الصورة التي تعرض برسول الله { وبشريعة الإسلام من الذي تزوج تسعاً غير رسول الله { ؟ أيصل الأمر إلى أن ينشر مثل هذا الرسم في جريدة يومية يشرف عليها الاتحاد القومي ، وتصل السخرية والتريقة على شخص رسول الله { وأن يقال عنه: (محمد أفندي) ويرمز إليه بمثل هذا الرمز ، لماذا اختار المحرر أو الرسام محمد أفندي بالذات ولم يختر علي أفندي أو سعيد أفندي أو أي اسم آخر؟ ولماذا حدد العدد بتسع بالذات ؟ ولم يحدد بسبع أو عشر أو اثني عشر ؟ إن خبث الرسام ظاهر واضح ولا يحتاج إلى تأويل والتماس عذر له ، إن مثل هذا الرسم لو نشر في أية صحيفة إنجليزية أو أمريكية أو فرنسية أو حتى إسرائيلية لقامت الدنيا وقعدت ، ولاتخذت سلاحاً بتاراً للدعاية والتشهير ، أما أن ينشر في جريدة من جرائد هذه الأمة فتغمض عنها الأعين وتمر بها مروراً عابراً، ومن المؤسف المؤلم أن يحدث هذا في صحافتنا في الوقت الذي يعمل فيه الأعداء أكثر من حساب لمشاعرنا نحن المسلمين ، فأمريكا وإيطاليا يريدان إنتاج فيلم عن رسول الله { فإذا بهم يلجؤون إلى مشيخة الأزهر والجامعة العربية ليأخذوا رأيها وموافقتها في كل ما يتعلق بهذا الفيلم من حوار وسيناريو وخلافه ، وكان باستطاعة هاتين الدولتين أن تخرجا الفيلم كما تشاءان وعلى النحو الذي يتفق مع روحهما العدائية لنا ، هذا ما يحدث من أعدائنا ، وهذا ما يحدث من أبناء أمتنا . إلى متى يسكت المسئولون عن هذه الصحافة؟ وإلى متى نسكت نحن أبناء هذه الأمة؟ هل ننتظر إلى أن يلجأ هؤلاء الخونة والمفسدون إلى التصريح بدلاً من التلميح؟ أننتظر إلى أن يسخر من إسلامنا في الشوارع والطرقات؟ والله إنها لفتنة سوداء يوقدها هؤلاء الجهلاء المأجورون تنذر بالخطر الفادح إن لم يوضع لها حد ، فإننا لن نستطيع أن نسكت بعد هذا على هذا التمادي في محاربة الإسلام والأخلاق وفي التعريض برسول الله { وشريعته ، فالأمة لاتزال معتزة بدينها غيورة على رسولها ، فإن أرادت هذه الصحافة الماجنة أن تعلنها حرباً فلتعلنها كما تريد ، ولكن لن نقف مكتوفي الأيدي . وكفى! فإسلامنا هو وطننا ولا وطن لنا غيره ، وإسلامنا هو روحنا ولا حياة لنا بسواه ، وإسلامنا هو رزقنا ولا قيمة للطعام والشراب عندنا بدونه ، وإسلامنا هو كل شيء في الوجود بالنسبة لنا ، وأقول هذا باسم أكثر من عشرين مليون مسلم من أبناء هذا الشعب العزيز ، ونحن في انتظار بيان رسمي من الاتحاد القومي وما صنعه مع جريدة المساء ورسامها والمسئولين عنها ، ومع صحافتنا على العموم حتى نطمئن إلى مستقبل ديننا ، والله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين ).
انتهى كلام الشيخ محمد عطية خميس . ولقد أجاد وأفاد ، وصدع بالحق ، فجزاه الله عن ذلك خيراً وزاده من الهدى والتوفيق وكثر في المسلمين من أمثاله من الصادعين بالحق بين الظلمة اللئام ، والحمد لله الذي أوجد في مصر من ينطق بالحق ويصدع بالرد على من حاد عنه ، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن بالزوايا خبايا ، وأن في الرجال بقايا ، ولا شك أن ذلك من حفظ الله لدينه وحمايته لخاتم أنبيائه وسيد أصفيائه محمد { ، ولقد أخبر الله سبحانه في كتابه المجيد عن أعدائه من الكفار والمنافقين أنهم يسخرون بالمرسلين والمؤمنين ، ويضحكون منهم ، فلا غرابة أن سلك القائمون على صحيفة المساء مسلك أئمتهم من المشركين والمنافقين وساروا على منهاجهم الوخيم وطريقهم الذميم أتواصوا به بل هم قوم طاغون 53 {الذاريات: 53} قال الله عز وجل: إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون 29 وإذا مروا بهم يتغامزون 30 {المطففين: 29، 30}، وقال سبحانه وتعالى: إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين 109 فاتخذتموهم سخريا حتى" أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون 110 إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون 111 {المؤمنون: 109 - 111} وقال جل وعلا عن رسوله نوح وقومه: ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون 38 فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم 39 {هود: 38، 39}وقال تعالى: الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم 79 {التوبة: 79} ففي هذه الآيات المحكمات والبراهين البينات دلالة ظاهرة وحجج قاهرة على أن الاستهزاء بالمرسلين والمؤمنين من صفات الكفار والمنافقين والمشركين، ومن عدائهم السافر وكفرهم الظاهر . ولقد تخلق بعض القائمين على صحف القاهرة في هذا العصر بأخلاقهم وساروا سيرتهم ونهجوا نهجهم فلهم حكمهم في الدنيا والآخرة، وقد ثبت عن المصطفى { أنه قال: "من تشبه بقوم فهو منهم"(1) فليس من شك عند كل من له أدنى مسكة من علم وهدى أن من شبه الرسول { بشيء من الحيوانات الحقيرة فقد تنقصه واحتقره ومن فعل ذلك أو رضيه من حاكم أو صحفي أو غيرهما فهو كافر ملحد حلال الدم والمال.
وهنا أمر عظيم ينبغي التنبيه له ، وهو أن يقال : ما السر في تشبيه صحيفة المساء القاهرية للرسول {! بالديك دون بقية الحيوانات ، إنه ظاهر لمن تأمله ، ألا إنه الجحود لنبوته والإنكار لرسالته ورميه بأنه ثائر شهواني ليس له هم إلا إشباع نهمته من النساء ، وهذا إمعان في الكفر ، وإيغال في الاستهزاء والاحتقار للجناب العظيم والمقام الرفيع ، لعن الله من تنقصه أو رماه بما هو براء منه ، وقاتل الله صحيفة المساء القاهرية والقائمين عليها الراضين بهذا الاستهزاء، فما أعظم ما اجترؤوا عليه من الباطل، وما أقبح ما وقعوا فيه من الإسفاف والاستهزاء، ولقد صان الله رسوله { وحماه مما قاله المبطلون ورماه به المفترون، فقد كان أعف الناس وأنصحهم لله ولعباده وأرفعهم قدراً وأشرفهم نفساً وأشدهم صبراً وأقومهم بحق الله وتبليغ رسالته، وأخشاهم لله وأتقاهم له ، وأزهدهم في كل ما يلوث مقامه العظيم أو يعوقه عن مهمته في الجهاد والنصح والتبليغ، وإنما تزوج النساء كسنة من قبله من المرسلين ، كما قال الله سبحانه : ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية 38 {الرعد: 38} وفي تزوجه { بتسع من النساء حكم كثيرة وأسرار بديعة ومصالح عظيمة ، منها : إعفافهن والإحسان إليهن ، ومنها : أن يتعلمن منه { أصول الشريعة وأحكامها ويعلمنها الناس بعده كما قد وقع ، فقد كان بيت كل واحدة منهن مدرسة للمسلمين والمسلمات ، يردونها للتعلم ويشربون من معينها الصافي عللاً بعد نهل ، ويسألون أمهات المؤمنين عن حياته { وشمائله وأخلاقه وأعماله داخل بيوته وخارجها ، ومن ذلك ما في تعددهن من مصلحة التأليف والتعاون على البر والتقوى ، وتبليغ القرآن والسنة بواسطة أصهاره ومن يتصل بهم لأن أزواجه كن من قبائل شتى وذلك أبلغ في مقام الدعوة والتأليف وأنفع للأمة وأكمل من جهة التبليغ والتعليم ، ومن ذلك ما في تعددهن من راحته { وأنسه ، فإن الله سبحانه قد حبب إليه النساء والطيب ، وجعل قرة عينه في الصلاة ، وقد صح عنه أنه { قال : "الدنيا متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة"(2) وقد جبل الله الرجال على حب النساء والميل إليهن ، وجعلهن سكناً للرجال ، كما قال عز وجل : ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون 21 {الروم: 21} وأعطى نبيه { في ذلك من كمال الرجولة والقوة على القيام بأمر الزوجات وحقوقهن ما لم يعطه الكثير ممن قبله ، وليس هذا بمستنكر في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإنهم أكمل الرجال رجولة وأعفهم فرجاً وأقومهم بحق الله وحق عباده ، وقد كان لنبي الله داود زوجات كثيرة ، ولابنه نبي الله سليمان بن داود كذلك ، وقد قواهما الله على الطواف عليهن والقيام بحقهن ، فكيف يستغرب على من هو أفضل منهما وأرفع عند الله منزلة ، وهو محمد { ، أن يبيح الله له تسعاً من النساء مع ما في ذلك من المصالح الكثيرة التي تقدم بعضها ، وكلها تعود على الأمة بالخير والإحسان والنفع العام ، وقد خص الله نبيه { بخصائص عظيمة وحباه بصفات كريمة ، فبعثه إلى الناس عامة ، وجعله رحمة للعالمين ، واتخذه خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ، ورفع منزلته في أعلى الجنة وهي الوسيلة ، وجعله سيد أولاد آدم كلهم ، وأعطاه المقام المحمود والشفاعة العظمى يوم القيامة ، ونصره بالرعب مسيرة شهر ، وشرح له صدره وغفر له ذنبه ووضع عنه وزره ورفع له ذكره ، فلا يذكر سبحانه إلا ذكر معه ، كما في الخطب والتشهد والإقامة والتأذين ، وخصائصه وشمائله { كثيرة جداً ، فكيف بعد هذا كله تجرأ صحيفة المساء المصرية والقائمون عليها على الاستهزاء به والحط من قدره وتمثيله بحيوان من أحقر الحيوانات وأدناها ، إمعاناً في الاحتقار ومبالغة في الاستهزاء ، سبحان الله ما أعظم شأنه ، والله أكبر ما أوسع حلمه : كذلك يطبع الله على" قلوب الذين لا يعلمون 59 {الروم: 59} وليس هذا الكفر الظاهر والنفاق السافر والاستهزاء الصريح بأشرف عباد الله ومن أخرج الله به العباد من الظلمات إلى النور- بغريب من صحف الخلاعة والمجون وأبواق الكفر والإلحاد ومنابر الظلم والعدوان ومحاربة الفضائل والدعوة إلى الرذائل، ليس ذلك بغريب على بعض القائمين على صحف القاهرة، الذين باعوا أنفسهم للشيطان ، وأعرضوا عما جاءت به الرسل ونزل به القرآن، واهتموا بالفراعنة والملاحدة وعباد الصلبان، وجندوا بعض صحفهم لمحاربة الإسلام وطمس شعائره العظام والتضليل والتلبيس على خفافيش الأبصار وسفهاء الأحلام .
ثم أقول: ليس هذا وحده جرم صحف القاهرة ، فكم لهم من جرائم وكم لهم من مخاز، وكم لهم من مكفرات ونواقض للإسلام ، أليسوا هم الذين أعلنوا في كثير من صحفهم الدعوة إلى الاشتراكية الكافرة والشيوعية الحمراء المشتملة على الظلم للعباد ، وزعموا تلبيساً وتضليلاً أنها من الإسلام ، والإسلام براء من ذلك ، الإسلام حرم على الناس دماءهم وأموالهم وأعراضهم ، الإسلام يحترم مال الفرد والجماعة ويحرسه ويحميه بقطع يد السارق ، وقتل المحارب إذا قتل ، وقطع يده ورجله من خلاف إذا أخذ المال فقط ، ويقول الرسول العظيم { في حجة الوداع يوم النحر: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)(3) متفق على صحته، ويقول {: "من ظلم شبراً من الأرض طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين"(4) متفق على صحته، ويقول عليه الصلاة والسلام: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة" قالوا وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: "وإن كان قضيبا من أراك"(5) خرجه الإمام مسلم في صحيحه.
ويقول الله في كتابه الكريم: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم 29 {النساء: 29}، وقال تعالى: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون 188 {البقرة: 188} وقال سيد الخلق { فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال : "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا"(6) وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً : "لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيبة من نفسه"(7) والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، وقد أجمعت الرسل عليهم الصلاة والسلام في شرائعهم المتنوعة على عصمة مال المسلم وتحريم دمه وماله وعرضه إلا بحق ، وأجمع علماء المسلمين على ذلك ، ومع هذا كله فدعاة الاشتراكية والشيوعية وأعوانهم على الظلم والعدوان استباحوا أموال الناس ودماءهم بغير حق ونبذوا كتاب الله وسنة رسوله { وراءهم ظهريا ، ولو أنهم قالوا : قد عرفنا أنه ظلم وعدوان وأقدمنا عليه ، لكان أسهل عند الله وعند المؤمنين ، ولكن بعضهم مع الظلم السافر والكفر الظاهر يزعمون أن أعمالهم الماركسية وتصرفاتهم الشيوعية وسيرتهم الكفرية والإلحادية من الإسلام ويزعم لهم أذنابهم وعبيدهم تلبيساً وتضليلاً أن الإسلام جاء بذلك والله سبحانه ورسوله ودينه براء من ذلك كله ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا 5 {الكهف: 5} صم بكم عمي فهم لا يعقلون 171 {البقرة: 171} ولقد صدق الله سبحانه حيث يقول وهو أصدق القائلين : أرأيت من \تخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا 43 أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا 44 {الفرقان: 43، 44} ومن زعم أن ما يفعله دعاة الاشتراكية والشيوعية من الظلم والاستبداد والتعدي على حرمات المسلمين من الإسلام فهو كافر ضال كاذب على الله ورسوله وعلى شرعه ، كما أن من أنكر الحدود كحد السرقة أو غيره وزعم أنها ليست من شرع الله كما ينعق بذلك دعاة الإلحاد من الشيوعيين وغيرهم فهو كافر مكابر مكذب لقول الله سبحانه : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم 38 {المائدة: 38} ومن زعم أن الاشتراكية الماركسية مباحة وأنها من الإسلام أو أنها خير من الإسلام وأرحم من الإسلام فهو من أكفر عباد الله وأضلهم عن سواء السبيل ؛ لأنه لا شيء أحسن من الإسلام ولا حكم أعدل من حكمه ، ومن جعل الظلم منه ونسبه إليه فقد تنقصه وكذب عليه ، قال الله عز وجل : إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون 105 {النحل: 105} وقال تعالى : ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون 116 متاع قليل ولهم عذاب أليم 117 {النحل: 116، 117} والله سبحانه قسم بين الناس معيشتهم ، ورفع بعضهم فوق بعض درجات ، لتنتظم أمورهم ويستعين بعضهم ببعض ، فتكمل مصالحهم وتظهر مواهبهم ويتميز غنيهم من فقيرهم وشاكرهم من كافرهم وناصحهم من خائنهم وطيبهم من خبيثهم ، إلى غير ذلك من الحكم والأسرار الكامنة في حكمة التفاوت بينهم في المعيشة والأسباب والأخلاق والعقول ، كما قال تعالى منكراً على المشركين الأولين : أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون 32 {الزخرف: 32} وقال تعالى : والله فضل بعضكم على" بعض في الرزق 71 {النحل: 71}، وقال تعالى : وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم165 {الأنعام: 165}، فلو سوى بينهم سبحانه في المعيشة والأخلاق والعقول والأسباب لتعطلت مصالحهم ولم تظهر هذه الحكم والأسرار التي رتب عليها الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة ، ولم يعرف العباد معاني أسمائه الحسنى وصفاته العلى ، ولم يخضع أحد لأحد ولم يعرف أحد قدر نعمة الله عليه ، ولم يؤد ما يجب عليه من الشكر إلى غير ذلك من الأسرار والمعاني الشريفة والحكم الرفيعة التي لا يدركها ولا يوفق لها إلا أهل الإيمان بالله واليوم الآخر وأرباب العلم النافع والبصائر.
والاشتراكية استوردها أربابها ليغنوا بها الفقراء بزعمهم ، وإنما جلبوها في الحقيقة ليفقروا بها الأغنياء ويسلبوا بها أموال الناس بالباطل باسم رحمة الفقراء ويصرفوها في مطامعهم الأشعبية وأغراضهم الدنيئة وشهواتهم البهيمية ، ويخمدوا بها جذوة الحركة والعمل ، ويصدوا بها الناس عن التفكير في : حق رب العالمين والتنافس في مصالح الحياة والثورة على الكفرة والطغاة الملحدين . هذه حال الاشتراكية وأهلها ، حسدوا الناس على ما آتاهم الله من فضله ، وتجرءوا على شرعه وظلموا العباد واستبدوا بالأموال والعتاد وحاربوا الله في أرضه واستكبروا عن طاعته وحقه ، تباً لهم ما أخسر صفقتهم وأخس مروءتهم وأسوأ عاقبتهم ، فالحذر الحذر أيها المسلمون من أرباب هذه الفتنة العمياء والبدعة النكراء والكفر الصريح والمعاداة لله ولرسوله وشرعه لعلكم تفلحون ، وقد شرع الله في الإسلام ما يغني عن هذا المذهب الهدام ويبطل كيد مخترعيه الكفرة اللئام ، فأوجب سبحانه في أموال الأغنياء من الزكاة وصنوف النفقات ، وشرع لعباده عز وجل من أنواع الكفارات والصدقات وسبل الإحسان ما تسد به حاجات الفقراء ويستغنى به عن ظلم العباد والتحايل على سلب أموالهم ، بل جعل سبحانه وتعالى أداء الزكاة أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام وتوعد من بخل بها بأنواع العذاب والآلام ، ووعد من بذلها كما شرع الله بالطهرة والزكاة لهم ولأموالهم ومضاعفة الأجور وعظيم الخلف ، كما قال عز وجل : وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون 56 {النور: 56} وقال تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم 60 {التوبة: 60} وقال عز وجل : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها 103 {التوبة: 103} وقال وهو أصدق القائلين: وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين 39 {سبأ: 39} وقال سبحانه وتعالى: وأحسنوا إن الله يحب المحسنين 195 {البقرة: 195} والآيات في هذا المعنى كثيرة ، فالواجب على المسلمين جميعاً أن يؤدوا ما أوجب الله عليهم لإخوانهم الفقراء وأن يطيبوا نفساً بذلك وأن يرحموهم ويعطفوا عليهم أداء لما أوجب الله ورجاء الرحمة من الله وحذراً من غضب الله وسداً لأبواب الفتن والفساد وإغلاقاً لسبل الكفر والإلحاد وشكراً لله على إنعامه وطمعاً في المزيد من فضله وكرمه وإرغاما لأنوف الكفار والملحدين الذين قد ساءت ظنونهم بالإسلام واعتقدوا أنه قد أهمل جانب الفقراء ولم يعطهم حقهم ، ولقد أخطأ ظنهم وخسرت صفقتهم وكذبوا على الله وحادوا عن الحق الواضح .
فاتقوا الله أيها المسلمون ومثلوا الإسلام في أعمالكم وأقوالكم وارحموا فقراءكم وأدوا ما أوجب الله عليكم من الزكاة وغيرها لتفوزوا بالسعادة والنجاة وتسلموا من غضب الله وأليم عقابه في الدنيا والآخرة ، والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين جميعاً وأن يمنحهم الفقه في دينه ، وأن يهدي زعماءهم وقادتهم لصراطه المستقيم ، وأن يقيم علم الجهاد ويكبت أهل الشرك والكفر والإلحاد ، إنه ولي ذلك والقادر عليه . وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه